كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



كلا فإن الرجولة هي الرجولة، والأنوثة هي الأنوثة، وإن الجاذبية بين الرجل والمرأة هي الجاذبية الفطرية لا تتغير ولن تتغير مدى الدهر، وهي شيءٌ يجري في عروقهما، وينته في كلٍّ من الجنسين ميوله وغرائزه الطبيعية، فإن الدم يحمل الإفرازات الهرمونية من الغدد الصماء المختلفة فتؤثر على المخ والأعصاب وغيرها من الأعضاء، بل إن جزءًا من كلِّ جسم يتميز عما يشبهه في الجنس الآخر.
ولذلك تظهر صفات الأنوثة في المرأة في تركيب جسمها كله وفي شكلها، وفي أخلاقها وأفكارها وميولها، كما تظهر مميزات الذكورة في الرجل في بدنه وهيئته، وصوته وأعماله وميوله، وهذه قواعد فطرية طبيعية لم تتغير من يوم أن خلق الله الإنسان ولن تتغير حتى تقوم الساعة.
{فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} [الروم: 30].
س: ولكن إذا كان التبرج يثير الرجال حقيقة كما تقول فإن الرجل يحتاج أن ينفس عما بداخله بالفطرة أو الضحكة أو الدعابة حتى يهدأ ويرتاح باله؟
ج: هذا كلام فاسد فإن النظرات والضحكات لا تنفس ولكنها تزيد الأمر، إن الإسلام يهدف إلى إقامة مجتمع نظيف لا تهاج فيه الشهوات في كل لحظة ولا تثار، فعمليات الاستثارة المستمرة تنتهي إلى سعار شهواني لا ينطفئ ولا يرتوي، والنظرة الخائنة والحركة المثيرة، والزينة المتبرجة، والجسم العاري، كلها لا تصنع شيئًا إلا أن تهيج ذلك السعار الحيواني المجنون، ولقد شاع في وقتٍ من الأوقات أن النظرة المباحة، والحديث الطليق والاختلاط الميسور والدعابة المرحة بين الجنسين، والاطلاع على مواطن الفتنة المغبوءة شاع أن كل هذا تنفيس وترويح ووقاية من الكبت ومن العقد النفسية شاع هذا على إثر انتشار بعض النظريات المادية القائمة على تجريد الإنسان من خصائصه التي تفرقه عن الحيوان والرجوع إلى القاعدة الحيوانية الفارقة في الطين- وبخاصة نظرية فرويد ولكن هذا لم يكن سوى فروض نظرية يرى الإنسان في أشد البلاء إباحية وتفلتًا من جميع القيود الاجتماعية والأخلاقية والدينية والإنسانية ما يكذبها وينقضها من الأساس، نجد في البلاد التي ليس فيها قيدٌ واحد على الكشف الجسدي والاختلاط الجنسي بكل صوره وأشكاله أن هذا كله لم ينته بتهذيب الدوافع الجسدية وترويضها إنما ينتهي إلى سعار مجنون لا يرتوي ولا يهدأ إلا ريثما يعود إلى الظمأ والاندفاع.
ونشاهد من الأمراض النفسية والعقد التي كان مفهومًا أنها لا تنشأ إلا من الحرمان، نشاهدها بوفرة بين من يمارسون الشذوذ الجنسي بكل أنواعه.
إن الميل الفطري بين الرجل والمرأة ميلٌ عميق وإثارته في كل حين تزيد من عرامته فالنظرة تثير والحركة تثير، والضحكة تثير، والدعابة تثير، والطريق المأمون هو تقليل هذه المثيرات، وذلك هو المنهج الذي يختاره الإسلام مع تهذيب الطبع وتشغيل الطاقة البشرية بهموم أخرى في الحياة غير تلبية دافع اللحم.
س: ولكن هناك من يقول: إن الحجاب هو عادة جاهلية من عادات العرب؟
ج: كيف يكون الحجاب من عادات الجاهلية والعرب قبل الإسلام وهم في جاهليتهم لم يعرفوا الحجاب بل ذم الله تعالى تبرج نساء الجاهلية وحذر نساء المسلمين أن يتبرجن مثلهن فقال: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} [الأحزاب: 33]. فلما جاء الإسلام وفرض الحجاب على المرأة أراد بذلك أن يرتقي بها من هذه الجاهلية العفنة إلى حيث العفة والاحتشام وصون الكرامة ومنع أذى الفساق والمغرضين.
س: ولكن اسمح لي أن أقول: إن بعض الناس يعدون التبرج انفتاحًا وحرية وانطلاقًا إلى الحياة؟
ج: وماذا فعل هذا الانفتاح والحرية بالمرأة لقد خرجت المرأة كاسيةً عارية، وتفننت في إغرائها للرجال فماذا حدث؟ زاد الفساد وعم الفجور، وانهار البنيان الاجتماعي والسلوكي والخلقي والصحي.
ومن أنكر ذلك فليراجع صفحات الجرائد التي تعج كل يوم بالمآسي والأحداث التي كانت من آثار تبرج المرأة وانفلاتها.
س: وهناك من يقول: إن التبرج مدنية وتحضر؟
ج: إن من يزعمون أن التبرج هو ما تقتضيه المدنية قومٌ جهلوا معنى الاستسلام والانقياد لأوامر الله تعالى، وقومٌ حُرموا من أسمى معاني الأخلاق والحياء والعفة.
فأي مدنية هذه التي تحض على معصية الله تعالى؟!
وأي مدنية هذه التي تصرف عن طاعة الله تعالى؟!
وأي تحضر الذي يصد عن دين الله تعالى؟!
وأي تحضر الذي يسلب الحياء والعفة؟‍
س: ولكن في الحقيقة الحجاب يصرف الخطاب بينما التبرج يجعل الفتاة تتزوج بسرعة؟
ج: هذه خدعة باطلة توحي بعكس الواقع والحقيقة، وهي خدعة يصنعها دعاة الباطل، وتنطلي على أفكار الفتيات وأمهاتهن جهلًا وخداعًا.
ولو تأملت الواقع الذي نعيش فيه لرأيت نسبة الإقبال على الأسر والفتيات المحافظات للزواج منهن أكثر مما يقارب الضعف من الإقبال على الأسر المتحررة، بل إن الزواج عمومًا يشيع بين الأسر المحافظة المتدينة أكثر مما يشيع بين الأسر الأخرى بنسبة تزيد على الضعف، ويعلم ذلك وتفاصيله كل من يرجع إلى الإحصائيات المفصلة في هذا الشأن.
س: هناك بعض الفتيات يقلن: طاعة الوالدين فرض وهما يمانعان من ارتدائي للحجاب؟
ج: إن حقيقية العبودية في الإسلام هي الاستسلام التام أو الخضوع لأوامر الله عز وجل حتى يبقى القلب مملوءًا بخشية الله تعالى ولا يزاحمه أحدٌ غير الله عز وجل، وتظل الجوارح مسفرة في طاعة ربها جل وعلا.
إن من مظاهر عبوديتك لله عز وجل تقديم حكم الله تعالى على حكم غيره، وتقديم طاعة الله على طاعة غيره، وتقديم رضي الله على رضى غيره، قال تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [التوبة: 24] فمن علامات حبك لله ورسوله صلى الله عليه وسلم تقديم طاعتهما على طاعة أي مخلوق على الأرض وإلا كنت كاذبة في دعواك المحبة لله عز وجل والمحبة لرسوله صلى الله عليه وسلم.
ثم هل ينفعك والدك أو أحدهما يوم القيامة؟ وهل سيدفع أحدٌ منهم عنك عذاب الله تعالى؟.
س: هناك بعض النساء أزواجهن يمنعهن من الحجاب؟
ج: اعلمي أنه بسبب تبرجك وسفورك ومعصيتك ابتلاك الله تعالى بهذا الزوج الفاسق الذي يريد أن يفسد عليك دينك، لأنه ما نزل بلاءٌ إلا بذنب ولا رُفع إلا بتوبة.
وعليك أن تكلمي زوجك بالحسنى وترشديه إلى أنك تخافين عليه من عقاب الله تعالى إن هو أصر على منعك من التحجب، وأبى عليك إلا أن تسيري متبرجة.
وذكِّريه بأن خروجك متبرجة تعرضين نفسك على زملائه وأصحابه وغيرهم حتى يريهم أنه إنسان عصري ومتحضر، أخبريه وذكريه أن هذا همجية وانحلال وتفسخ وبهيمية ورجعية. وذكريه بقوله صلى الله عليه وسلم: «ثلاثٌ لا يدخلن الجنة ولا ينظر الله إليهم يوم القيامة: ومنهم الديوث» [رواه أحمد والنسائي والحاكم والبيهقي].
س: هناك بعض الفتيات يقلن: أنا لا أرغب في الحجاب برغم علمهن بفرضيته؟
ج: هؤلاء الفتيات عليهن أن يراجعن إيمانهن؛ لأن هذا القول محادة لله ورسوله قال عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [المجادلة: 5] وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ} [المجادلة: 20].
إن غلبة الشهوة في نفس العبد حتى تطغى على الأحكام الشرعية فتؤدي إلى إهمالها بل ومعارضتها ومحادتها هذا مرضٌ في القلب بل موت وذنب لابد أن يستغفر منه العبد، ويتوب إلى الله منه قبل أن يدهمه الموت فيكون من الخاسرين النادمين.
س: ولكن المرأة أو البنت إذا كانت جميلة فالجمال نعمة من نعم الله فلماذا تستر هذا الجمال فإظهار الجمال من باب التحدث بالنعمة؟
ج: إن الله عز وجل الذي خلق الجمال هو الذي أمر بستره فقال: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ} [النور: 31]. وقال: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} [الأحزاب: 59] إن هذا القول خطرٌ على الإيمان بل هو مما يضاده وينافيه.
س: ولكن هناك من تقول: إنني سوف أتحجب عندما يهديني الله؟
ج: إن الهداية رزقٌ والرزق يحتاج إلى سعي فالله عز وجل قال: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ} [الذاريات: 22-23] وقال: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} [الملك: 15] كذلك الهداية تحتاج إلى سعي، والله عز وجل قال: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد: 11].
س: هناك من الفتيات من يقلن: أنا مازلت صغيرة، عندما أكبر أتحجب؟
ج: نقول لهؤلاء: وما يدريكن أن يمتد بكن العمر؟ ما يدريكن أنكن ستكبرن؟ كم من فتاة وكم من فتى قبض إلى الله قبل أن يحقق ما كان يحلم به، إن الموت يأتي بغتة فيجب أن نستعد له بطاعة الله عز وجل.
س: ولكن بعض النساء يتحجبن لأجل إخفاء دمامتهن، وإذا تحجبت وأنا جميلة سيقول الناس: تحجبت لدمامتها وسوء شكلها هكذا تقول بعض الفتيات؟
ج: نقول: اعلمي يا أختاه أن السخرية من المؤمنين والمؤمنات هو دأب الفاجرين والفاجرات ولست بأفضل من النبي محمد صلى الله عليه وسلم الذي أوذي وصبر وقالوا عنه: شاعر، وقالوا: مجنون، إن طريق الجنة محفوفٌ بالأشواك فاصبري، ماذا يضرك كلام الناس إذا كانت الحقيقة غير ذلك؟
س: بعض النساء يعشن في مستوى راق ويقلن: إن وضعي الاجتماعي لا يسمح بالحجاب؟
ج: أقول لهؤلاء: إن العيش الحقيقي هو عيش الآخرة، فلا تجعلي زخارف الدنيا تصرفك عن طاعة الله عز وجل. والترف إذا قاد إلى معصية الله فهو من أسباب دخول النار قال عز وجل: {إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ} [الواقعة: 45] إن الدنيا كلها لا تساوي عند الله جناح بعوضة، ون ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا منه.
س: ولكن بعض النساء تقول: إني أحب الله ورسوله فلا أحتاج إلى الحجاب الحب يكفي للنجاة؟
ج: نقول لهؤلاء كلا: فإن المحب لمن يحب مطيع.
إن من يريد الحصول على شيء عليه أن يجد ويجتهد في سبيله.
والإيمان: قولٌ وعملٌ واعتقاد ليس مجرد قول وفقط، ومن أحب شخصًا أطاعه:
تعصي الإله وأنت تزعم حبه ** هذا بديعٌ في القياس شنيعُ

لو كان حبك صادقًا لأطعته ** إن المحب لمن يحب مطيعُ

س: ولكن اليوم نرى أن المحجبة تُضطهد في الدراسة والعمل والضرورات تبيح المحظورات.
ج: ومن قال: إن الدراسة والعمل عذران يبيحان معصية الله عز وجل ثم إن كثيرًا من المحجبات تعملن وتدرسن وهن من المتفوقات.
إن من يظن أن حجاب المرأة يعوقها عن أداء مهمتها في المجتمع وفق ضوابط الشرع فهو مخطئ.
س: ولكن ورد أن عائشة رضي الله عنها- وأم سليم كشفتا عن ساقيهما وهما تسقيان الناس في بعض الغزوات؟
ج: الجواب عن ذلك: أن هذه الوقائع حدثت قبل نزول الحجاب لأنها كانت في غزوة أحد.
س: ولكن حرارة الجو تسبب الاختناق والحساسية إذا ارتدت المرأة الحجاب؟
ج: نقول لهؤلاء: تذكرن قول الله تعالى: {قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ} [التوبة: 81] اختاري لنفسك أي الحالتين: حرُّ الدنيا المقدور عليه، أم نار جهنم وحرها.
إن العاقل يعلم أنه إن قدم القليل في طاعة الله في الدنيا فإنه لو صيبر سيفوز بجنة عرضها السموات والأرض.